Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 213

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (213) (البقرة) mp3
قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد أَخْبَرَنَا هَمَّام عَنْ قَتَادَة عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ بَيْن نُوح وَآدَم عَشْرَة قُرُون كُلّهمْ عَلَى شَرِيعَة مِنْ الْحَقّ فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّه النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ قَالَ : وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه " كَانَ النَّاس أُمَّة وَاحِدَة فَاخْتَلَفُوا" وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه مِنْ حَدِيث بُنْدَار عَنْ مُحَمَّد بْن بَشَّار ثُمَّ قَالَ : صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَكَذَا رَوَى أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَة عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا " كَانَ النَّاس أُمَّة وَاحِدَة فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّه النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ" وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله " كَانَ النَّاس أُمَّة وَاحِدَة " قَالَ : كَانُوا عَلَى الْهُدَى جَمِيعًا " فَاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّه النَّبِيِّينَ " فَكَانَ أَوَّل مَنْ بُعِثَ نُوحًا . وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِد كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس أَوَّلًا . وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " كَانَ النَّاس أُمَّة وَاحِدَة " يَقُول : كَانُوا كُفَّارًا فَبَعَثَ اللَّه النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَالْقَوْل الْأَوَّل عَنْ اِبْن عَبَّاس أَصَحّ سَنَدًا وَمَعْنًى لِأَنَّ النَّاس كَانُوا عَلَى مِلَّة آدَم حَتَّى عَبَدُوا الْأَصْنَام فَبَعَثَ اللَّه إِلَيْهِمْ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَام فَكَانَ أَوَّل رَسُول بَعَثَهُ اللَّه إِلَى أَهْل الْأَرْض. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَأَنْزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَاب بِالْحَقِّ لِيَحْكُم بَيْن النَّاس فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اِخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات بَغْيًا بَيْنهمْ " أَيْ مِنْ بَعْد مَا قَامَتْ الْحُجَج عَلَيْهِمْ وَمَا حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا الْبَغْي مِنْ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض " فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاَللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق : حَدَّثَنَا مَعْمَر عَنْ سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي قَوْله " فَهَدَى اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقّ بِإِذْنِهِ" الْآيَة قَالَ : قَالَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْم الْقِيَامَة نَحْنُ أَوَّل النَّاس دُخُولًا الْجَنَّة بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدهمْ فَهَدَانَا اللَّه لِمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقّ بِإِذْنِهِ فَهَذَا الْيَوْم الَّذِي اِخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّه لَهُ فَالنَّاس لَنَا فِيهِ تَبَع فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْد غَد لِلنَّصَارَى " ثُمَّ رَوَاهُ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ اِبْن طَاوُس عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة . وَقَالَ اِبْن وَهْب عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْله " فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقّ بِإِذْنِهِ " فَاخْتَلَفُوا فِي يَوْم الْجُمْعَة فَاِتَّخَذَ الْيَهُود يَوْم السَّبْت وَالنَّصَارَى يَوْم الْأَحَد فَهَدَى اللَّه أُمَّة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَوْمِ الْجُمْعَة وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِبْلَة فَاسْتَقْبَلَتْ النَّصَارَى الْمَشْرِق وَالْيَهُود بَيْت الْمَقْدِس فَهَدَى اللَّه أُمَّة مُحَمَّد لِلْقِبْلَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاة فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْكَع وَلَا يَسْجُد وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْجُد وَلَا يَرْكَع وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي وَهُوَ يَتَكَلَّم وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي وَهُوَ يَمْشِي فَهَدَى اللَّه أُمَّة مُحَمَّد لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ . وَاخْتَلَفُوا فِي الصِّيَام فَمِنْهُمْ مَنْ يَصُوم بَعْض النَّهَار وَمِنْهُمْ مَنْ يَصُوم عَنْ بَعْض الطَّعَام فَهَدَى اللَّه أُمَّة مُحَمَّد لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا فِي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَتْ الْيَهُود : كَانَ يَهُودِيًّا . وَقَالَتْ النَّصَارَى : كَانَ نَصْرَانِيًّا وَجَعَلَهُ اللَّه حَنِيفًا مُسْلِمًا فَهَدَى اللَّه أُمَّة مُحَمَّد لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ . وَاخْتَلَفُوا فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : فَكَذَّبَتْ بِهِ الْيَهُود وَقَالُوا لِأُمِّهِ بُهْتَانًا عَظِيمًا وَجَعَلَتْهُ النَّصَارَى إِلَهًا وَوَلَدًا وَجَعَلَهُ اللَّهُ رُوحه وَكَلِمَته فَهَدَى اللَّه أُمَّة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله " فَهَدَى اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقّ بِإِذْنِهِ " أَيْ عِنْد الِاخْتِلَاف أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُل قَبْل الِاخْتِلَاف أَقَامُوا عَلَى الْإِخْلَاص لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْده وَعِبَادَته لَا شَرِيك لَهُ وَإِقَام الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة فَأَقَامُوا عَلَى الْأَمْر الْأَوَّل الَّذِي كَانَ قَبْل الِاخْتِلَاف وَاعْتَزَلُوا الِاخْتِلَاف وَكَانُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس يَوْم الْقِيَامَة شُهَدَاء عَلَى قَوْم نُوح وَقَوْم هُود وَقَوْم صَالِح وَقَوْم شُعَيْب وَآل فِرْعَوْن أَنَّ رُسُلهمْ قَدْ بَلَّغُوهُمْ وَأَنَّهُمْ قَدْ كَذَّبُوا رُسُلهمْ وَفِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب وَلِيَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس يَوْم الْقِيَامَة وَاَللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم. وَكَانَ أَبُو الْعَالِيَة يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة الْمَخْرَج مِنْ الشُّبُهَات وَالضَّلَالَات وَالْفِتَن . وَقَوْله " بِإِذْنِهِ " أَيْ بِعِلْمِهِ بِهِمْ وَبِمَا هَدَاهُمْ لَهُ قَالَهُ اِبْن جَرِير " وَاَللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاء " أَيْ مِنْ خَلْقه " إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم " أَيْ وَلَهُ الْحِكْمَة وَالْحُجَّة الْبَالِغَة . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ عَائِشَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْل يُصَلِّي يَقُول : " اللَّهُمَّ رَبّ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَإِسْرَافِيل فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة أَنْتَ تَحْكُم بَيْن عِبَادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اِهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقّ بِإِذْنِك إِنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم" وَفِي الدُّعَاء الْمَأْثُور " اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقّ حَقًّا وَارْزُقْنَا اِتِّبَاعه وَأَرِنَا الْبَاطِل بَاطِلًا وَارْزُقْنَا اِجْتِنَابه وَلَا تَجْعَلهُ مُتَلَبِّسًا عَلَيْنَا فَنَضِلَّ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا " .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • مظاهر التشبه بالكفار في العصر الحديث وأثرها على المسلمين

    فإن الله - عز وجل - لما أمر المؤمنين بالدعاء وطلبِ الثبات على الصراط المستقيم حذَّرَهم عن سبيل المشـركين فقال - عز وجل -: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، فمن أهم مقتضيات الصراط المستقيم: البعد عن سبيل المشـركين.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/260201

    التحميل:

  • التبيان في سجدات القرآن

    التبيان في سجدات القرآن : هذا الكتاب يجمع ما تفرق من كلام العلماء وطرائفهم وفوائدهم حول سجدات القرآن وما يتبعها من أحكام.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/233601

    التحميل:

  • العلاقة المثلى بين العلماء والدعاة ووسائل الاتصال الحديثة في ضوء الكتاب والسنة

    العلاقة المثلى بين العلماء والدعاة ووسائل الاتصال الحديثة في ضوء الكتاب والسنة: بحثٌ مختصر في «العلاقة المثلى بين العلماء والدعاة، ووسائل الاتصال الحديثة» ألَّفه الشيخ - حفظه الله - قديمًا، ثم نظر فيه مؤخرًا، فوجده مفيدًا لخطر وسائل الإعلام الحديثة إذا تُرِك الحبل على الغارب لدعاة الضلالة، فهو يُبيِّن فيه واقع وسائل الاتصال الحديثة وبعض فوائدها وكثير ضررها، مع بيان ضرورة الدعوة إلى الله بالحكمة، ثم ذكر في الأخير خطر وأهمية وسائل الاتصال الحديثة، وذكر بعض الأمثلة على هذه الوسائل وكيفية الاستفادة منها في نشر العلم والدعوة إلى الله تعالى، وكل ذلك مشفوعٌ بالدليل من الكتاب والسنة وأقوال العلماء المعاصرين.

    الناشر: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/320895

    التحميل:

  • المواعظ

    هذا الكتاب يحتوي على بعض المواعظ للحافظ ابن الجوزي - رحمه الله -.

    الناشر: موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/141400

    التحميل:

  • من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

    من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم: قال المؤلف - رحمه الله -:- « فلما كانت معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - أنوارًا تشرق على القلوب الطافحة بالإيمان وتزيدها قوة وثباتًا واستقامة؛ أحببت أن أذكر ما تيسر منها، والله المسؤل أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم ».

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2560

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة