Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة البقرة - الآية 85

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) (البقرة) mp3
" ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ " الْآيَة قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن يَسَار حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس" ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ " الْآيَة . قَالَ : أَنْبَأَهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ وَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة سَفْك دِمَائِهِمْ وَافْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيهَا فِدَاء أَسْرَاهُمْ فَكَانُوا فَرِيقَيْنِ طَائِفَة مِنْهُمْ بَنُو قَيْنُقَاع وَهُمْ حُلَفَاء الْخَزْرَج وَالنَّضِير وَقُرَيْظَة وَهُمْ حُلَفَاء الْأَوْس فَكَانُوا إِذَا كَانَتْ بَيْن الْأَوْس وَالْخَزْرَج حَرْب خَرَجَتْ بَنُو قَيْنُقَاع مَعَ الْخَزْرَج وَخَرَجَتْ النَّضِير وَقُرَيْظَة مَعَ الْأَوْس يُظَاهِر كُلّ وَاحِد مِنْ الْفَرِيقَيْنِ حُلَفَاءَهُ عَلَى إِخْوَانه حَتَّى تَسَافَكُوا دِمَاءَهُمْ بَيْنهمْ وَبِأَيْدِيهِمْ التَّوْرَاة يَعْرِفُونَ فِيهَا مَا عَلَيْهِمْ وَمَا لَهُمْ وَالْأَوْس وَالْخَزْرَج أَهْل شِرْك يَعْبُدُونَ الْأَوْثَان وَلَا يَعْرِفُونَ جَنَّة وَلَا نَارًا وَلَا بَعْثًا وَلَا قِيَامَة وَلَا كِتَابًا وَلَا حَلَالًا وَلَا حَرَامًا فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْب أَوْزَارهَا اِفْتَدَوْا أَسَرَاهُمْ تَصْدِيقًا لِمَا فِي التَّوْرَاة وَأَخْذًا بِهِ يَفْتَدِي بَعْضهمْ مِنْ بَعْض يَفْتَدِي بَنُو قَيْنُقَاع مَا كَانَ مِنْ أَسْرَاهُمْ فِي أَيْدِي الْأَوْس وَيَفْتَدِي النَّضِير وَقُرَيْظَة مَا كَانَ فِي أَيْدِي الْخَزْرَج مِنْهُمْ وَيَطْلُبُونَ مَا أَصَابُوا مِنْ دِمَائِهِمْ وَقَتَلُوا مَنْ قَتَلُوا مِنْهُمْ فِيمَا بَيْنهمْ مُظَاهَرَة لِأَهْلِ الشِّرْك عَلَيْهِمْ يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ حَيْثُ أَنْبَأَهُمْ بِذَلِكَ " أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ " أَيْ تُفَادُونَهُمْ بِحُكْمِ التَّوْرَاة وَتَقْتُلُونَهُمْ وَفِي حُكْم التَّوْرَاة أَنْ لَا يُقْتَل وَلَا يُخْرَج مِنْ دَاره وَلَا يُظَاهَر عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ يُشْرِك بِاَللَّهِ وَيَعْبُد الْأَوْثَان مِنْ دُونه اِبْتِغَاء عَرَض الدُّنْيَا ؟ فَفِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ مَعَ الْأَوْس وَالْخَزْرَج فِيمَا بَلَغَنِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ . وَقَالَ أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : كَانَتْ قُرَيْظَة حُلَفَاء الْأَوْس وَكَانَتْ النَّضِير حُلَفَاء الْخَزْرَج فَكَانُوا يَقْتَتِلُونَ فِي حَرْب بَيْنهمْ فَتُقَاتِل بَنُو قُرَيْظَة مَعَ حُلَفَائِهَا النَّضِير وَحُلَفَاءَهُمْ وَكَانَتْ النَّضِير تُقَاتِل قُرَيْظَة وَحُلَفَاءَهَا وَيَغْلِبُونَهُمْ فَيُخَرِّبُونَ دِيَارهمْ وَيُخْرِجُونَهُمْ مِنْهَا فَإِذَا أُسِرَ رَجُل مِنْ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا جَمَعُوا لَهُ حَتَّى يَفْدُوهُ فَتُعَيِّرهُمْ الْعَرَب بِذَلِكَ وَيَقُولُونَ : كَيْف تُقَاتِلُونَهُمْ وَتَفْدُونَهُمْ ؟ قَالُوا : إِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَفْدِيَهُمْ وَحُرِّمَ عَلَيْنَا قِتَالهمْ قَالُوا : فَلِمَ تُقَاتِلُونَهُمْ ؟ قَالُوا : إِنَّا نَسْتَحِي أَنْ تُسْتَذَلّ حُلَفَاؤُنَا فَذَلِكَ حِين عَيَّرَهُمْ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَقَالَ تَعَالَى " ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ " الْآيَة . وَقَالَ أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ عَنْ الشَّعْبِيّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي قَيْس بْن الْحَطِيم" ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ " الْآيَة . وَقَالَ أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ عَنْ عَبْد خَيْر قَالَ : غَزَوْنَا مَعَ سَلْمَان بْن رَبِيعَة الْبَاهِلِيّ بَلَنْجَر فَحَاصَرْنَا أَهْلهَا فَفَتَحْنَا الْمَدِينَة وَأَصَبْنَا سَبَايَا وَاشْتَرَى عَبْد اللَّه بْن سَلَام يَهُودِيَّة بِسَبْعِمِائَةٍ فَلَمَّا مَرَّ بِرَأْسِ الْجَالُوت نَزَلَ بِهِ فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه : يَا رَأْس الْجَالُوت هَلْ لَك فِي عَجُوز هَاهُنَا مِنْ أَهْل دِينك تَشْتَرِيهَا مِنِّي قَالَ : نَعَمْ قَالَ : أَخَذْتهَا بِسَبْعِمِائَةٍ دِرْهَم قَالَ : فَإِنِّي أُرْبِحك سَبْعمِائَةٍ أُخْرَى قَالَ : فَإِنِّي قَدْ حَلَفْت أَنْ لَا أُنْقِصهَا مِنْ أَرْبَعَة آلَاف قَالَ : لَا حَاجَة فِيهَا قَالَ : وَاَللَّه لَتَشْتَرِيَنَّهَا مِنِّي أَوْ لَتَكْفُرَنَّ بِدِينِك الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ قَالَ : اُدْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ فَقَرَأَ فِي أُذُنه مِمَّا فِي التَّوْرَاة : إِنَّك لَا تَجِد مَمْلُوكًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل إِلَّا اِشْتَرَيْته فَأَعْتَقْته " وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجهمْ " قَالَ : أَنْتَ عَبْد اللَّه بْن سَلَام ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَجَاءَ بِأَرْبَعَةِ آلَاف فَأَخَذَ عَبْد اللَّه أَلْفَيْنِ وَرَدَّ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ . وَقَالَ آدَم بْن إِيَاس فِي تَفْسِيره : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر يَعْنِي الرَّازِيّ حَدَّثَنَا الرَّبِيع بْن أَنَس أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَالِيَة أَنَّ عَبْد اللَّه بْن سَلَام مَرَّ عَلَى رَأْس الْجَالُوت بِالْكُوفَةِ وَهُوَ يُفَادِي مِنْ النِّسَاء مَنْ لَمْ يَقَع عَلَيْهِ الْعَرَب وَلَا يُفَادِي مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَرَب فَقَالَ عَبْد اللَّه : أَمَا إِنَّهُ مَكْتُوب عِنْدك فِي كِتَابك أَنْ تَفَادِيهِنَّ كُلّهنَّ وَاَلَّذِي أَرْشَدَتْ إِلَيْهِ الْآيَة الْكَرِيمَة وَهَذَا السِّيَاق ذَمُّ الْيَهُود فِي قِيَامهمْ بِأَمْرِ التَّوْرَاة الَّتِي يَعْتَقِدُونَ صِحَّتهَا وَمُخَالَفَة شَرْعهَا مَعَ مَعْرِفَتهمْ بِذَلِكَ وَشَهَادَتهمْ لَهُ بِالصِّحَّةِ فَلِهَذَا لَا يُؤْتَمَنُونَ عَلَى مَا فِيهَا وَلَا عَلَى نَقْلهَا وَلَا يُصَدِّقُونَ فِيمَا كَتَمُوهُ مِنْ صِفَة رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَعْته وَمَبْعَثه وَمَخْرَجه وَمُهَاجَره وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ شُؤُونه الَّتِي أُخْبِرْت بِهَا الْأَنْبِيَاء قَبْله عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْيَهُود عَلَيْهِمْ لَعَائِن اللَّه يَتَكَاتَمُونَهُ بَيْنهمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا " أَيْ بِسَبَبِ مُخَالَفَتهمْ شَرْع اللَّه وَأَمْره " وَيَوْم الْقِيَامَة يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدّ الْعَذَاب" جَزَاء عَلَى مُخَالَفَتهمْ كِتَاب اللَّه الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة

    التحقيق والإيضاح في كثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة : منسك مختصر يشتمل على إيضاح وتحقيق لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/2155

    التحميل:

  • التعليقات على كشف الشبهات

    كشف الشبهات: رسالة نفيسة كتبها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وهي عبارة عن سلسلة شبهات للمشركين وتفنيدها وإبطالها، وفيها بيان توحيد العبادة وتوحيد الألوهية الذي هو حق الله على العباد، وفيها بيان الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية والعبادة، وقد عدد من أهل العلم بشرحها وبيان مقاصدها، وفي هذه الصفحة كتاب التعليقات على كشف الشبهات، والذي جمع فيه مؤلفه الشيخ عبد الله بن صالح القصير العديد من الفوائد.

    الناشر: شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/305091

    التحميل:

  • بحوث في أصول التفسير ومناهجه

    بحوث في أصول التفسير ومناهجه: هذا الكتاب عرَّف فيه المصنف - حفظه الله - التفسير وبيَّن مكانته وفضله، ومتى نشأ علم التفسير وما هي المراحل التي مرَّ بها، وذكر اختلاف المُفسِّرين وأصحابه، وأساليب التفسير وطرقه ومناهجه، ثم عرَّج على إعراب القرآن الكريم وبيان غريبه، ثم أشار إلى قواعد مهمة يحتاج إليها المُفسِّر، وختمَ حديثَه بذكر أهم المصنفات في التفسير ومناهجه.

    الناشر: مكتبة التوبة للنشر والتوزيع

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/364178

    التحميل:

  • الاعتدال في الدعوة

    الاعتدال في الدعوة : محاضرة مفرغة.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/144938

    التحميل:

  • الإخبار بأسباب نزول الأمطار

    الإخبار بأسباب نزول الأمطار : نظرا لتأخر نزول الأمطار مما نتج عنه غور المياه وقلة النبات وحيث إنه لا بد لنزول الأمطار من أسباب وأن لها موانع مذكورة في الكتاب العزيز والسنة المطهرة وكلام أهل العلم، لذا أحببت أن أذكر إخواني المسلمين بهذه الأسباب وتلك الموانع لعلهم أن يعملوا بأسباب نزول المطر وأن يبتعدوا عن موانعه.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/209182

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة